جلست آية في حيرة من أمرها حول كيفية اقناع والدتها بالتنازل عن رأيها في قضية دراستها الاكاديمية، فبعد حوار طويل بينهما، لم تقتنع الام برأي ابنتها التي تأبى ان تصبح معلمة في مستقبلها المهني، " شوفي قديش انا مبسوطة، دوامي بيخلص بدري، العطل اكثر من ايام الشغل، والمعاش اول الشهر بالبنك " هذه المبررات التي حاولت امها اقناعها بها، لكنها ترفض ان تكون تماما كأمها، انما تريد أن تصبح شيئا أكبر.. ان تكون لها مهنة خاصة بها أكثر تطورا، "أكثر استقلالية.. مهنة مطلوبة أكثر ربما.. مهنة جديدة وحيوية في المجتمع"، وقد تناست آيه انه لولا معلميها لما وصلت الى هذه الفترة من امتحانات البجروت التي تتمنى أن تمر بسلام حتى لا تقف حاجزا امام حلمها الكبير "الجامعه" !
مشهد يتكرر كثيرا في بيوتنا، وان تغيرت الاسماء والمهن، لكن المشهد يجسد أزمة متفرعه يعاني منها شباب اليوم وهي أزمة اختيار المهنة والتخصص الاكاديمي، والتي تعود الى المسببات الثلاث الاساسية :
وجود الشاب\ الفتاة في مرحلة المراهقة المتأخرة، وفي نهاية المرحلة الثانوية، وعليه اتخاذ قرار حاسم ومصيري بشأن مستقبله، لكنه من جهة أخرى غير ناضج كفاية لاتخاذ قرار سليم ومناسب.
"صراع بين الاهل والابناء حول اختيار المهنة، فالاهل يحاولون تمثيل مهنتهم كنموذج ناجح، او مهنة اخرى هم على قناعة بها، فيرفضها الابن لانها لا تلائم ميوله وقدراته، وقد تلائمه لكنه غير مُقّدر لامكانياته.
عدم الاطلاع الكافي على سوق العمل\ المهن من قبل الاهل\ الطالب، عدم توفر معلومات دقيقة ومهنيّة
يقول أ.فهمي مصطفى في كتابه "سيكولوجية الطفل والمراهقة" :
" ان السعداء من المراهقين هم من توصلوا الى إتفاق مع ابويهم بشأن اختيار المهنة أو التخصص الذي يدرسونه "، من ذلك نستنتج أن للأهل دور كبير في توجيه أبناءهم ومشاركتهم في اتخاذ القرار بشأن مهنة المستقبل.
كيف يستطيع الأهل التوصل مع ابناءهم الى قرار سليم وملائم حول المستقبل المهني ؟
سؤال يطرحه الاهل بقلق لما يواجهونه من صعوبة الوصول لقرار نهائي في هذا الموضوع مع فلذات اكبادهم. خصوصا اذا كانت قنوات التفاهم بينهم مشوشة، أو كان أحد الطرفين ( الأهل\ الابناء ) عنيداً ومتسلطاً .
قد ينتج عن سوء التفاهم هذا قرار خاطئ وغير مُصيب يؤدي الى اختيار مهنة غير ملائمة وقد يضطر المراهق ان يستبدل اختصاصه بعد سنة دراسية كاملة، والتي عادة ما تكلفه بين 40000- 70000 شاقل !
ولا تقتصر مهمة التوجيه على الاهل فقط، انما للمربين في المدرسة دور مهم بصفتهم الشريحة الثانية التي من المفروض أن تؤثر في تربيتهم المهنية ليصبحوا أفراداً ناجحين في المجتمع . لذلك على الاهل والمربين أن يَعوا تماماً دورهم المهم والأساسي في توجيه ومساعدة المراهق على أختيار مهنة المستقبل الملائمة، وعليهم اتباع الوسائل والطرق التالية :
محاورة المراهقين حول أهمية العمل في حياة الانسان، التشديد على الجوانب الانسانية للعمل بشتى أنواعه دون التركيز على عمل دون آخر، لأن العبرة ليست بنوع العمل الذي يلتحق به الفرد، إنما بمدى اجادته له وميله الجدي إليه ونموه وبروزه في دوره الذي يضطلع به في مجال العمل.
تبصير الشباب بالفرص الموجودة بالفعل في ميدان العمل، وأمدادهم بمعلومات مهنية دقيقة عن طريق الكتيبات والكتب التي تصف مختلف المهن وما تتطلبه فيمن يشتغل بها، بالاضافة الى الاحصائيات الجديدة والمتجددة حول سوق العمل في السنين القادمة التي يتخرّج فيها الطالب وحول المهن والتخصصات الجديدة التي يحتاجها المجتمع.
مساعدة المراهقين على تكوين مفهوم للذات يَتسِم بالوعي والنضج والالتزام، حيث نعمل على تبصيرهم بقدراتهم وامكانياتهم وميولاتهم الحقيقية، فهم بحاجة لمن يعرّفهم بقدراتهم ومهاراتهم الخاصة، واستعداداتهم الحقيقية والميول الضرورية لتعلم مهنة من المهن والتقدم فيها، لذا من الضروري أن تكون وحدة في المدارس لاختبار قدرات وميول التلاميذ لتساعدهم في اختيار المهنة.
مساعدة المراهقين في الحصول على عمل لبعض الوقت، فالخبرة المهنية من شأنها المساهمة في تقدم الافكار وبلورتها وحسمها لاختيار مهنة ملائمة لشخصيتهم، ثم أن انشغال المراهق بعمل ما أثناء الصيف أو بعد انتهاء دوامه المدرسي يتيح له الفرصة للتعرف على ظروف العمل والتفكير فيما يناسبه والقضاء على أوقات الفراغ المُفسِدة.
أن يكون اختيار المراهق للعمل الذي يلتحق به نابعاً من ذاته ومحققاً ومتمشياً مع ميوله وقدراته وشخصيته، فمن الخطأ إرغام المراهق على الالتحاق بعمل لا يرضاه أساساً، أو ان تُزيف له صورة مهنية معينة حتى لا تؤدي به الى سوء التوافق المهني، وتغيير بعض قيمه والتجائه الى اساليب غير سوية لتأكيد ذاته، مما يؤدي الى قلة إنتاجه وسوء توافقه الشخصي الاجتماعي. فليس هنالك أسعد من فرد يعمل في مهنة تناسبه يحبها ويتقنها، وليس أشقى وأتعس من فرد يعمل عملاً لا يحبه ولا يرغبه.
وختاماً ننصح الاهل والمربين بالتواجد قدر الامكان في حياة المراهق في هذه الفترة، لأنه بأمَسّ الحاجة لكم، عليكم الاصغاء لمشاكله وتساؤلاته حتى تخففوا من حدة التوتر والقلق، واذا تعذرت مساعدة الوالدين، فيجب توفير فرص للتحدث مع طلاب وخريجين مروا بتجربة مشابهه.
مصادر :
1. دايل كارينجي (1999) ترحمة د.رمزي الحسامي. دع القلق وابدأ الحياة : كيف تقرر مستقبلك. بيروت: عالم الكتاب. ص : 229-232.
2. أمل مرزيان الخازن (2005). كيف نتعامل مع مراهقينا. الناصرة : الحكيم للطباعة والنشر. ص : 125-155.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق