٢٦‏/٠٦‏/٢٠٠٩

عين على اخلاق الماشي السائق والراكب

كثيرا ما يدعي البعض حسن الباطن والظاهر في اخلاقه، لكن اذا ما نظرنا لتصرفاته اليومية مع أهله وبيئته تراه جلف الطباع، سئ الخلق..
ومن ذلك اخلاقنا حين نمشي في الشارع، او نركب السيارة او الباص او نقود سيارتنا الخصوصية..

في بلدة شوارعها أشد ما تكون ضيقا(الاسم محفوظ لدينا في التحرير)، يوقف اهل البلدة سيارتهم حتى يصبح المرور من الشارع أمر شبه مستحيل، واذا ما طلبت منهم ازاحة السيارة رمقوك بنظرة ظاهرها الغضب وباطنها اللعنة، ولو انني شاب لكانت طالتني "طرطوشة" من المسبات.. والاجمل من ذلك انك تحيد سيارتك عن المشاة الذين يمشون تقريبا بوسط الشارع دون مراعاة ان الشارع ضيق وان وراءهم سيارة، وحدث معي انني اردت دخول احد الشوارع الفرعية فرأيت فتاتين قد توسطن الشارع يمشين الهوينا ويتبادلن اطراف الاحاديث، ففتحت شباك السيارة وقلت لهن : " حبيباتي، مانتو شايفين الشارع ضيق ليش ماشين بنص الشارع؟" فكان الجواب في قمة التفاهة.. طبعا مع "جحرة" ولولا شوي رحت ما "اوكل كتلة"..

مشهد آخر يدل على عمق أزمة اخلاقنا في الركوب في المواصلات العامة، في باص الجامعة، الذي من المفروض ان يكون راكبيه من نخبة المجتمع، في الاخلاق والذوق والثقافة، عند الصباح الباكر او في ساعات المساء في العودة، تصخب اذنك موسيقى نشاز مزعجة من طالب\ة مصر على ان يسمع كل من في الباص الاغاني التي في هاتفه الذي لم يصبح هاتفا بقدر ما أصبح اداة مولتميديا! متناسيا أداب ركوب الباص، وكأن راحة أحد لا تعنيه بقدر ما يعنيه "البرستيج" الذي يصنعه من وراء هذه الاغاني عند "الفارغين" أمثاله والذين تعني لهم هذه الموسيقى شيئا غير الازعاج.

وعودة الى الشارع، الى السائقين، واحب ان اخص بالذكر هنا الرجال.. فهم أوفر الناس نصيبا مما سأقوله، فهم اولئك الذين تستفيق نخوتهم عندما أسبقهم او اجتازهم عند اشارات المرور او في شارع ذو مسارين، بعد ان كان معيقا لحركة السير تراه انتفض وكأن كرامته ديست ويسابق الريح لينتقم ويسبقني مرة أخرى، وأحيانا يحمل سيارته فوق طاقتها، حتى ما يقال عنه "سبقته امرأه" ولو يا عيب الشوم!
اما عن حق الاولوية فحدث ولا حرج، فهو لم يعد يؤخذ ولا يعطى فقط، انما لا يؤخذ بالحسبان ابدا، بل وان المصطلح قد غاب نهائيا على ارض الواقع، ولا تستعيده سوى الحوادث والتحقيقات البوليسية.
اما الصبر، فهو خلق لا علاقة له بالسياقة على ما يبدو، مرات عديدة بل تقريبا كل يوم، حين احاول السير باتجاه الخلف، نادرا جدا ما يعطيني السائقون المجال، بل دائما يجتازونني ويطرشون اذني بالزمامير، مع أنني اعطي المجال لاي سائق يرجع للخلف، ويا ويلي اذا تأخرت ثانية بالانطلاق على الاشارة الضوئية بالاخضر، فايضا "تزفني" الزمامير من خلفي أحيانا وهي تنم عن قلة صبر لدى السائقين !
ومن اكثر المواقف التي واجهتني في قلة الصبر، انني من اسبوعين ركنت سيارتي بجانب مكتبة بحيث انها بعيدة عن الشارع وتستطيع السيارات المرور بكل حرية بجانبها، ونزلت لتبديل غرض كنت قد اشتريته، وما ان دخلت المكتبة حتى علا زمور في الخارج متواصل، خرجت واذا برجل يقود سيارة فخكة وعريضة قد علقت بجانبه سيارة امرأة ولا يستطيع الخروج لانه اقترب من سيارتي، فاسرعت لسيارتي لازاحتها فعلق لي الزمور بطريقة قليلة أدب، فنهره أحد المشاة، طبعا انا لم اكترث لانه ليس من عادتي التعامل مع هذه النوعيات من الناس.. المهم انه مر الموقف بسلام وبدلت الغرض وعدت للبيت، وفي المساء عندما رأيت الوالد بالبيت قال لي : "ليش يابا بتسكري شوارع؟" قلتله "انا؟" قلي : "اه انت! اليوم اتصل علي رجل وقلي تعال زيح سيارتك من الشارع"، ففهمت الامر، فقد كان هذا السائق "قليل الصبر" قد اتصل على الوالد من الورقة الملصقة على زجاج السيارة في اعلان بيعها في الثواني التي دخلت بها للمكتبة ليقول له "تعال زيح سيارتك".. ولما رأني خرحت لازاحتها وعرف أنني امرأه، فكر "يستزلم" علي وعلق لي الزمور ظانا منه اخافتي وتهديدي..

نعم هذه هي اخلاق المشاة والراكبين والسائقين، تنم عن أزمة اخلاق عامة وطامة لدينا في مجتمعنا، وبرأيي ان مهمة المعلمين والمربين ومعلمي السياقة أصبحت مضاعفة، فالشرطة ليست المسئولة عن ضبط اخلاق الماشي والراكب والسائق، انما الاخلاق تكون بالتربية، وما الشرطة الا وسيلة ردع لمن يتطاول على تعدي هذه الاخلاق..
وختاما أقول أنه يجب على الوعاظ والمربين في المدارس ان يتطرقوا لهذا الموضوع بشكل دوري ليرسخوا مفاهيم "الدين المعاملة" من خلال الحياة اليومية، لان ذلك سيختصر علينا الكثير من الاشكالات اليومية التي تحدث بسبب سوء الاخلاق في هذا المجال.